هل تستحق "الجلدة المنفوخة" كل هذا الضجيج؟
السابعة والنصف مساء السبت 14 نوفمبر 2009 كان موعد "الحرب"، ولكنها ليست حربا بأسلحة نارية أو بيضاء، كما أنها ليست حربا حدودية أو على تقاسم الثروات، وليست أيضا حرب استرداد كرامة أو تحرير الأرض، ولكنها حرب على قطعة من الجلد يسمونها كرة القدم يتصارع عليها 22 لاعب ومن ورائهم الملايين يؤججونها حربا شعواء.
كان هذا الوصف الأدق للقاء الكروي الذي جمع منتخبي مصر والجزائر ضمن التصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم 2010 ، والتي انتهت بفوز مصر على الجزائر ليصبح التعادل هو سيد الموقف ـ حيث لاقت مصر نفس الهزيمة على أرض الجزائر ـ مما مهد لمباراة الحسم في السودان وموعدها الثامن عشر من نوفمبر فى موقعة اشهر خارج نطاق حدود البلدين.
وقد سبقت المباراة وأعقبتها حرب إعلامية غير مسبوقة قادت زمامها صحف غير مسئولة وفضائيات تشتهر بالتسخين دون مبالاة بعواقب إثارة المشاعر على هذا النحو الممقوت، وقد جاءت النتيجة فورية حيث وقعت مواجهات عنيفة أسفرت عن وقوع عشرات المصابين من الجانبين على أرض مصر المضيفة.
وكانت من بين التوابع المؤسفة إضرام عامل مصري النار في أسرته لامتناعهم عن منحه أموال للخروج مع أصدقاءه والاحتفال بفوز المنتخب الوطني على الجزائر عقب المباراة، مما أسفر عن احتراق والديه وتفحم الشقة التي يقيمون فيها.
كما نتج عن عملية تهييج المشاعر هذه اعتداءات وحشية على الجالية المصرية بالجزائر تخللها عمليات دهم للمنازل وتخريب للممتلكات في أعقاب ما نشرته صحيفة "الشروق" الجزائرية التي دست أنباء كاذبة عن وجود قتلى بين المشجعين الجزائريين لقوا حتفهم على أيدي المصريين كما زعمت تواطؤ رجال الأمن المصري ضد الجزائريين رغم أن جميع الشواهد أثبتت عكس هذا.
والواضح أن تلك المشاعر قد أثارت عاصفة الاتهامات بالعمالة والخيانة لكلا الطرفين واتهامات بالولاء للغرب وسباب و"قتال" لفظى واشارات مخلة وخارجة وسب فى الانساب والخوض فى الأعراض.
قديما كانت الرياضة وسيلة للارتقاء بالأخلاقيات من خلال المنافسة الشريفة فى مباراة أو سباق ، كانت الرياضة وسيلة للتعارف بين الشعوب لا وسيلة للتنافر والتجاذب الأعمى الممجوج.
كرة القدم كانت ولا تزال من أهم اللعبات على الإطلاق التى تحظى بشعبية كبيرة فى كافة الأوساط يشاهدها الكبير والصغير والغنى والفقير، ومازالت وسيلة للتعارف بين الشعوب والأمم من خلال التشجيع الراقى الذي يدرك ان الرياضة كما يقال مكسب وخسارة ولا تعنى الخسارة نهاية العالم ولا يعنى المكسب انتهاء الغاية وقمة الأماني.
صدمنا جميعا ما نراه من نعرات وتناحر لفظى بين بعض البلدان العربية وبعضها لمجرد أن منتخب سيلاقى منتخبا آخر فى مباراة لكرة القدم والبلدين عربيين والبلدين شقيقين والبلدين تجمعهما قضايا عربية وإقليمية واحدة ، وفرقتهما كرة القدم.
وصدمنا أكثر وأكثر عندما اشتدت موجات الكراهية والعداء بين فئات من الشعبين المصري والجزائري فئات لا تحكم العقل بل تحكمها تلك الاهواء الكروية وامتد الامر للتخريب والاعتداء اللفظى والجسدي من اجل كرة القدم.
وأشعل الإعلام في البلدين حدة الصراع وذكى نار الفرقة بين اخوين عربيين شقيقين تربطهما اواصر العرق والدين واللغة.
فهذا يشتم ويسب على الآخر ويقول انه لا نخوة ولا عروبة ولا كرامة لديه والآخر يتفاخر بعروبته وكرامته وانه الأفضل في مواقفه العربية الداعمة لأخوته في فلسطين والعراق فضلا عن اتهامات بالعمالة والخيانة ، اضافة الى سب الأعراض.
تركنا ساحات الشرف والكرامة الحقيقية في فلسطين والعراق وأعلنا الجهاد داخل المستطيل الأخضر وكأننا سننال الشهادة في الملعب ونحن "نلعب".
لا أقلل من شأن كرة القدم كرياضة عريقة لها محبوها لكنى فقط أحزن على وصولنا لذلك المستوى من الإسفاف اللفظي والتقاتل والتصارع من أجل "جلدة منفوخة هواء".
ليتنا كنا مدركين لواقعنا وما يدور حولنا من أحداث مؤسفة تستحق منا الكثير من الاهتمام والتضامن.
نحن مسلمون ومسيحيون عرب وأخوة دم وليتنا نستغل الرياضة فى دعم الأمة العربية وتقوية شوكتها لا فى التفريق وبث الفتنة بين الأشقاء فيما بينهم فنحن كلنا على قلب رجل واحد تجمعنا قضية واحدة ينبغي ألا نحيد عنها ولا نجعل الكرة تلهينا بمشكلاتها عن قضايانا الأساسية.
فيجب أن نتخلى عن الأنانية وأن نتمسك بمبدأ أنا لست مصريا ولا جزائريا ولا مغربيا ولا يمنيا ولا سودانيا فقط أنا مسلم ومسيحي عربي دم واحد وامة واحدة.
ليتنا ندرك ان الفتنة نائمة ولعن الله من ايقظها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "دعوها فإنها منتنة".
لله الأمر