من مفكرة القرن الرابع عشر الهجري
--------------------------------------------------------------------------------
سنعرض من خلال هذه الزاوية التي أسميناها: من مفكرة القرن الرابع عشر الهجري، لأهم الأحداث التاريخية التي مرت بأمتنا خلال القرن الماضي، والتي تركت آثارها على حياتها وبصماتها على نفوسنا.
ونحب أن يكون واضحاً من البداية أننا هنا لسنا بسبيل إعادة شريط الأحداث والاكتفاء بالتسجيل لها فقط، لأن هذا متوفر وموجود في مظانه من كتب التاريخ وغيرها، وإنما نحاول قراءة هذه الأحداث قراءة إسلامية ما أمكن لنا ذلك والأخذ بيد القارئ إلى ما كان من السلبيات والتعرف عليها للمساهمة -بقدر المستطاع- في معالجتها وإيقافها، والأمور الإيجابية لالتزامها ومتابعتها، ذلك أن حياة الأمة إنما هي عبارة عن حلقات يمسك بعضها ببعض، وكل حلقة مرتبطة بأخرى ومؤثرة فيها بصورة أو بأخرى.وبهذه المناسبة نرجو من أصحاب القلوب الواعية، والبصائر النافذة، والعقول الناضجة، والأبجدية الإسلامية أن يقرءوا معنا، وأن يساهموا بالكتابة إلينا، علنا نساهم مع غيرنا بوضع معالم لطريق الجيل المسلم مستقبلاً.
(إنَّ في ذلكَ لِمَنْ كانَ له قلبٌ أو ألقى السَّمعَ وهوَ شَهيد)
[1]
الاحتلال الإنجليزي لمصر وانفصالها عن الخلافة
بدأ القرن الرابع عشر الهجري بالاحتلال الإنجليزي لمصر تحت ستار حماية المصالح الأجنبية والأقلية، بعد أن تمكنوا من الانتصار على المدافعين عن البلاد في معركة التل الكبير في شهر أيلول/سبتمبر 1882م (أواخر 1300هـ وبداية 1301هـ)، وكان الذي مهد لهذا الاحتلال:
(1) سياسة التفرنج التي أنتجتها القابلية للإستعمار، والتي اتبعها بشكل خاص الخديوي سعيد ثم إسماعيل، وما نتج عنها من تدفق كبير للأجانب من الإنجليز والفرنسيين وبعض الإيطاليين واليونان إلى مصر، وما تبع ذلك من امتيازات لهؤلاء (أصبح لهم سبع عشر محكمة قنصلية، تتبع سبع عشرة دولة، وتطبق سبعة عشر قانوناً) أنزلت أفدح الظلم بأصحاب البلاد من المسلمين.
ثم أدى هذا إلى إنشار المحاكم المختلطة، وتعطيل العمل بقوانين البلاد (الشريعة الإسلامية) والأخذ بالقوانين الوضعية الأجنبية وخاصة القانون المدني الفرنسي.
(2) سياسة التبذير والسفه والإسراف التي اتبعها هؤلاء وأوقعت البلاد في عجز دائم، نتيجة قروض عقدت مع الإنجليز والفرنسيين.
(3) الغزو الفكري الذي تعرض له المسلمون في مصر منذ فترة مبكرة، وذلك لما لها من مكانة يومها، وخاصة لوجود الأزهر الشريف فيها، ومجيء الكثير من نصارى المشرق العربي، وبتشجيع من فرنسا وإنجلترا، إليها مهاجرين من بلاد الشام، وخاصة لبنان، بحجة تعرضهم للاضطهاد من الدولة العثمانية، وعدم السماح لهم بحرية التعبير والفكر، حيث قاموا بتأسيس دور النشر والطباعة مثل: دار الأهرام، ودار الهلال وغيرها، وأصدروا العديد من المجلات والصحف التي أخذت على عاتقها مهاجمة الدولة العثمانية، وكانت الغاية من هذا الهجوم طعن الإسلام.
كان هذا الاحتلال قبل سقوط الخلافة بحوالي خمس وثلاثين سنة –تم خلالها تكوين جيل في هذا المناخ- على يد يهود الدونمة والتمكين لهم لإقامة دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي.. فهل عاد التركيز على القطر الشقيق من جديد؟
وفي عام 1301 هـ- 1883م تمكن المهدي في السودان من إيقاع الهزيمة بالقوات الموالية للإنجليز والتي يقودها الضابط الإنجليزي »هيكس« في موقعة شيكان شرقي الأبيض، وتمكن بأنصاره من إبادة الحملة إبادة تكاد تكون تامة إذ لم ينجُ من الآلاف العشرة سوى ثمانمائة لم يكن هيكس وجميع ضباطه منهم.
والمهدي هو: محمد أحمد بن عبد الله الحاج الشريف، اشتهر بالزهد والتقوى والتواضع حتى قال فيه شيخه: »ما رأيته يصلي إلا وتبلل وجهه بالدموع«. دعا المسلمين للعودة إلى روح الإسلام والتزام عدالته، لذا قام بمحاربة الظلم وأهله ممثلاً في البداية بنظام الحكمدارية الذي أقيم في عهد الخديوية، ثم بالإنجليز ومن والاهم بعد استعمارهم لمصر.
أقبلت وفود المسلمين بالسودان عليه تبايعه »فقد بايعنا اللهَ ورسولَه، وبايعناك على توحيد الله وألا نشرك به أحداً، ولا نسرق، ولا نزني، ونأتي ببهتان، ولا نعصيك في معروف، بايعناك على زهد الدنيا وتركها، والرضا بما عند الله والآخرة، وعلى ألا نفرّ في الجهاد أبداً«.
حاولت إنجلترا شراءه، فأرسلت إليه كتاباً تجعله فيه ملِكاً على منطقة كردفان، مع هدية نفيسة، فردّ المهدي الهدية وأجاب: »إنني لم أقم بالثورة طلباً لمغنم دنيوي من مال أو جاه أو سلطة« وبيّن أنه قام لله، وطلب من ممثل إنجلترا وقتها »غوردون« الدخول في الإسلام.
تعرض [المهدي] لحملة تشويه ظالمة من صرعى الغزو الفكري المضبوعين بالحضارة الغربية ومن الكتاب الإنجليز أنفسهم، حيث وصفوه بأنه قاطع طريق، ومصاص دماء وغير ذلك.. ولا يزال التاريخ يعيد نفسه، وهذه حال كل من حاول التمرد على أوامر المستعمرين.
توفي رحمه الله عام 1303هـ بعد أن قتل غوردون واحتل أم درمان واتخذها عاصمة له، وبعد أن أصبح السودان بأكمله تحت سيطرته.
--------------------------------------------------------------------------------
مجلة الأمة، العدد الأول، محرم 1401 هـ
--------------------------------------------------------------------------------
سنعرض من خلال هذه الزاوية التي أسميناها: من مفكرة القرن الرابع عشر الهجري، لأهم الأحداث التاريخية التي مرت بأمتنا خلال القرن الماضي، والتي تركت آثارها على حياتها وبصماتها على نفوسنا.
ونحب أن يكون واضحاً من البداية أننا هنا لسنا بسبيل إعادة شريط الأحداث والاكتفاء بالتسجيل لها فقط، لأن هذا متوفر وموجود في مظانه من كتب التاريخ وغيرها، وإنما نحاول قراءة هذه الأحداث قراءة إسلامية ما أمكن لنا ذلك والأخذ بيد القارئ إلى ما كان من السلبيات والتعرف عليها للمساهمة -بقدر المستطاع- في معالجتها وإيقافها، والأمور الإيجابية لالتزامها ومتابعتها، ذلك أن حياة الأمة إنما هي عبارة عن حلقات يمسك بعضها ببعض، وكل حلقة مرتبطة بأخرى ومؤثرة فيها بصورة أو بأخرى.وبهذه المناسبة نرجو من أصحاب القلوب الواعية، والبصائر النافذة، والعقول الناضجة، والأبجدية الإسلامية أن يقرءوا معنا، وأن يساهموا بالكتابة إلينا، علنا نساهم مع غيرنا بوضع معالم لطريق الجيل المسلم مستقبلاً.
(إنَّ في ذلكَ لِمَنْ كانَ له قلبٌ أو ألقى السَّمعَ وهوَ شَهيد)
[1]
الاحتلال الإنجليزي لمصر وانفصالها عن الخلافة
بدأ القرن الرابع عشر الهجري بالاحتلال الإنجليزي لمصر تحت ستار حماية المصالح الأجنبية والأقلية، بعد أن تمكنوا من الانتصار على المدافعين عن البلاد في معركة التل الكبير في شهر أيلول/سبتمبر 1882م (أواخر 1300هـ وبداية 1301هـ)، وكان الذي مهد لهذا الاحتلال:
(1) سياسة التفرنج التي أنتجتها القابلية للإستعمار، والتي اتبعها بشكل خاص الخديوي سعيد ثم إسماعيل، وما نتج عنها من تدفق كبير للأجانب من الإنجليز والفرنسيين وبعض الإيطاليين واليونان إلى مصر، وما تبع ذلك من امتيازات لهؤلاء (أصبح لهم سبع عشر محكمة قنصلية، تتبع سبع عشرة دولة، وتطبق سبعة عشر قانوناً) أنزلت أفدح الظلم بأصحاب البلاد من المسلمين.
ثم أدى هذا إلى إنشار المحاكم المختلطة، وتعطيل العمل بقوانين البلاد (الشريعة الإسلامية) والأخذ بالقوانين الوضعية الأجنبية وخاصة القانون المدني الفرنسي.
(2) سياسة التبذير والسفه والإسراف التي اتبعها هؤلاء وأوقعت البلاد في عجز دائم، نتيجة قروض عقدت مع الإنجليز والفرنسيين.
(3) الغزو الفكري الذي تعرض له المسلمون في مصر منذ فترة مبكرة، وذلك لما لها من مكانة يومها، وخاصة لوجود الأزهر الشريف فيها، ومجيء الكثير من نصارى المشرق العربي، وبتشجيع من فرنسا وإنجلترا، إليها مهاجرين من بلاد الشام، وخاصة لبنان، بحجة تعرضهم للاضطهاد من الدولة العثمانية، وعدم السماح لهم بحرية التعبير والفكر، حيث قاموا بتأسيس دور النشر والطباعة مثل: دار الأهرام، ودار الهلال وغيرها، وأصدروا العديد من المجلات والصحف التي أخذت على عاتقها مهاجمة الدولة العثمانية، وكانت الغاية من هذا الهجوم طعن الإسلام.
كان هذا الاحتلال قبل سقوط الخلافة بحوالي خمس وثلاثين سنة –تم خلالها تكوين جيل في هذا المناخ- على يد يهود الدونمة والتمكين لهم لإقامة دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي.. فهل عاد التركيز على القطر الشقيق من جديد؟
وفي عام 1301 هـ- 1883م تمكن المهدي في السودان من إيقاع الهزيمة بالقوات الموالية للإنجليز والتي يقودها الضابط الإنجليزي »هيكس« في موقعة شيكان شرقي الأبيض، وتمكن بأنصاره من إبادة الحملة إبادة تكاد تكون تامة إذ لم ينجُ من الآلاف العشرة سوى ثمانمائة لم يكن هيكس وجميع ضباطه منهم.
والمهدي هو: محمد أحمد بن عبد الله الحاج الشريف، اشتهر بالزهد والتقوى والتواضع حتى قال فيه شيخه: »ما رأيته يصلي إلا وتبلل وجهه بالدموع«. دعا المسلمين للعودة إلى روح الإسلام والتزام عدالته، لذا قام بمحاربة الظلم وأهله ممثلاً في البداية بنظام الحكمدارية الذي أقيم في عهد الخديوية، ثم بالإنجليز ومن والاهم بعد استعمارهم لمصر.
أقبلت وفود المسلمين بالسودان عليه تبايعه »فقد بايعنا اللهَ ورسولَه، وبايعناك على توحيد الله وألا نشرك به أحداً، ولا نسرق، ولا نزني، ونأتي ببهتان، ولا نعصيك في معروف، بايعناك على زهد الدنيا وتركها، والرضا بما عند الله والآخرة، وعلى ألا نفرّ في الجهاد أبداً«.
حاولت إنجلترا شراءه، فأرسلت إليه كتاباً تجعله فيه ملِكاً على منطقة كردفان، مع هدية نفيسة، فردّ المهدي الهدية وأجاب: »إنني لم أقم بالثورة طلباً لمغنم دنيوي من مال أو جاه أو سلطة« وبيّن أنه قام لله، وطلب من ممثل إنجلترا وقتها »غوردون« الدخول في الإسلام.
تعرض [المهدي] لحملة تشويه ظالمة من صرعى الغزو الفكري المضبوعين بالحضارة الغربية ومن الكتاب الإنجليز أنفسهم، حيث وصفوه بأنه قاطع طريق، ومصاص دماء وغير ذلك.. ولا يزال التاريخ يعيد نفسه، وهذه حال كل من حاول التمرد على أوامر المستعمرين.
توفي رحمه الله عام 1303هـ بعد أن قتل غوردون واحتل أم درمان واتخذها عاصمة له، وبعد أن أصبح السودان بأكمله تحت سيطرته.
--------------------------------------------------------------------------------
مجلة الأمة، العدد الأول، محرم 1401 هـ