من الظلم لتاريخ مصر نسبة حقبه التاريخية لعصور الاحتلال وتجاهل أهله الأقباط
تعليقهاً علي ما نشرته جريد «القاهرة» في عددها رقم 323، في صفحة متاحف وآثار يوم 20 يونية 2006 بشأن النبأ السار بموافقة مجلس كلية الآثار جامعة الفيوم المبدئية علي إنشاء أول قسم للآثار القبطية في الجامعات المصرية. دار حوله الجدل بين مؤيد ورافض، ومتحفظ، ولقد لفت نظري قول البعض إنه «لا يوجد في تاريخ مصر ما يسمي الحقبة القبطية» وإنشاء هذا القسم هو فكرة لاهويته غربية لا علاقة لها بالآثار وأن مصطلح «الآثار القبطية» غير صحيح بالمرة.
إنه من الثابت لدي جميع العلماء والباحثين أن كلمة « قبطي» تعني لغوياً «مصري» وجمعها «أقباط» تعني «مصريين» وعليه فإن التاريخ المصري كله هو التاريخ القبطي، ولما كان المؤرخون والعلماء قد أجمعوا علي تسمية التاريخ المصري القديم حتي نهاية الأسرة الفرعونية الحادية والثلاثين بمصطلح «التاريخ الفرعوني» فتكون الحقبات التاريخية التالية هي التاريخ القبطي «لأنها امتداد للتاريخ المصري» الذي تتابعت فيه أحقاب زمنية حسب المتغيرات التاريخية التي حدثت في مصر ويمكننا استيضاحها فيما يلي: 1- العصر القبطي تحت الحكم البطلمي من 332 ق.م «وهو تاريخ نهاية الأسرة الحادية والثلاثين، وبدء حكم البطالمة في مصر» إلي 30 ق.م.
2- العصر القبطي تحت الحكم الروماني من 30 ق.م. إلي 395م .
3- العصر القبطي تحت الحكم البيزنطي من 395م إلي 641 م تاريخ دخول العرب مصر.
4- العصر القبطي الممتد خلال العصر العربي من 641م حتي الآن حيث امتزج العرب مع أهل البلاد المصريين وصارت وحدة طبيعية بينهم وبين الأقباط الذين نطقوا اللغة العربية منذ عهد عبد الملك بن مروان الذي اهتم بتعريب الدواوين ولسان البلاد إلي اللغة العربية، وأصبح المصريون يتمثلون في عنصرين منذ ذلك الحين، المصري «القبطي المسيحي»، و«المصري القبطي المسلم» وذلك التقسيم للحقبات القبطية، لأنه ليس من الانصاف أن يؤرخ لدولة بتاريخ مستعمريها، فلا يجوز أن نلغي تاريخ مصر وأن نؤرخ لمحتل يوناني أو روماني أو بيزنطي لأن في ذلك إهدار لحقوق الشعوب المستعمرة، وانني أسأل أيهما أكرم للمصريين جميعاً مسلمين ومسيحيين أن نؤرخ للحقبات التاريخية المصرية بتاريخ شعبها، وفنونها، ولغتها، وآدابها، فيقال عنها: التاريخ القبطي تحت الحكم الأجنبي، أم أن يقال التاريخ الاغريقي، والروماني، والبيزنطي، والفارسي وتطمس معالم مصر ونهدر حق المصريين.. أي وطنية هذه وأي انتماء؟ ولماذا كل هذا التحامل علي التاريخ القبطي، والآثار القبطية؟؟
لذلك فإن القول بأنه لا يوجد في تاريخ مصر ما يسمي «الحقبة القبطية» قول مغلوط ليس له أساس تاريخي يرتكز عليه لأن التاريخ المصري كله هو تاريخ قبطي، ليس تاريخاً يونانياً أو رومانياً أو بيزنطياً «لأن قبطي تعني مصري» والآثار القبطية تملأ أرجاء مصر.
أما القول بأن «أغلب الأديرة والكنائس الأثرية الموجودة حالياً يعود إنشاؤها إلي فترة ما بعد دخول الإسلام، وشيدت علي الطراز الإسلامي فحقيقته أن الإسلام حينما جاء إلي مصر وجدها بلداً عريقاً ذا حضارة وبعد أن استقرت له الأمور بها أخذ من فنونها ما يناسبه الأمر الذي يمكن القول عنه إنه الفن المصري الإسلامي، كما حدث في بلاد الرافدين حيث حضارة بابل وأشور فأخذ الإسلام منها ما يناسبه أيضاً لذلك نجد تمايزاً واضحاً بين الفن الإسلامي في مصر، والفن الإسلامي في العراق، وعلي هذا القياس فإن جميع الفنون الإسلامية تختلف بعضها عن البعض باختلاف الحضارات التي أخذت منها، ومن ذلك يتضح أنه لا يوجد ما يسمي بالطراز الإسلامي علي إطلاق الكلمة بل يمكن القول بالطراز الإسلامي المصري والطراز الإسلامي العراقي والطراز الإسلامي السوري.. إلخ لأن الإسلام أخذ هذه الطرزات من حضارات الشعوب التي فتح أرضها فكيف يقال إن أغلب الأديرة والكنائيس الأثرية الموجودة حالياً يعود إنشاؤها إلي فترة مابعد دخول الإسلام، وشيدت علي الطراز الإسلامي «من أخذ من الآخر» وأن كان مصطلح الآثار القبطية غير صحيح بالمرة فبماذا نسمي الكنائس والأديرة القبطية المنتشرة في كل أرجاء مصر، وبماذا نسمي الآثار القبطية التي تملأ المتحف القبطي التي يرجع تاريخها إلي القرون المسيحية الأولي قبل دخول الإسلام إلي مصر؟ وبماذا نسمي الآثار القبطية المنتشرة في معظم متاحف العالم؟
إنني في شدة العجب من القول بأن تأسيس «قسم للآثار القبطية» هو «عمل قسم لاهوتي وهو فكر يتبناه من ينتمون للفكر الغربي أي انتماء هذا الذي يقولون عنه؟! هل القول بإنشاء قسم لدراسة الآثار القبطية يكون انتماء للغرب أم لمصر بتاريخها القوي والمؤثر علي العالم كله؟
أما عن نقص الكوادر والمتخصصين بالعلوم القبطية الذي يري البعض أنه يعد من أكثر المشكلات التي تعوق إنشاء هذا القسم فنحب أن نطمئن إلي أن مصر بخير وهناك كثير من المتخصصين يمكننا أن نذكر العديد منهم إذا جدت الأفعال وإننا نأمل من السيد الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالي أن يساند كلية آثار الفيوم في موافقتها علي إنشاء قسم الآثار القبطية، وأن يبدأ بقبول أعداد محدودة من الدارسين لتكامل سلسلة الدراسات الأثرية في عصور مصر المتتالية.
د. صبحي شنودة
تعليقهاً علي ما نشرته جريد «القاهرة» في عددها رقم 323، في صفحة متاحف وآثار يوم 20 يونية 2006 بشأن النبأ السار بموافقة مجلس كلية الآثار جامعة الفيوم المبدئية علي إنشاء أول قسم للآثار القبطية في الجامعات المصرية. دار حوله الجدل بين مؤيد ورافض، ومتحفظ، ولقد لفت نظري قول البعض إنه «لا يوجد في تاريخ مصر ما يسمي الحقبة القبطية» وإنشاء هذا القسم هو فكرة لاهويته غربية لا علاقة لها بالآثار وأن مصطلح «الآثار القبطية» غير صحيح بالمرة.
إنه من الثابت لدي جميع العلماء والباحثين أن كلمة « قبطي» تعني لغوياً «مصري» وجمعها «أقباط» تعني «مصريين» وعليه فإن التاريخ المصري كله هو التاريخ القبطي، ولما كان المؤرخون والعلماء قد أجمعوا علي تسمية التاريخ المصري القديم حتي نهاية الأسرة الفرعونية الحادية والثلاثين بمصطلح «التاريخ الفرعوني» فتكون الحقبات التاريخية التالية هي التاريخ القبطي «لأنها امتداد للتاريخ المصري» الذي تتابعت فيه أحقاب زمنية حسب المتغيرات التاريخية التي حدثت في مصر ويمكننا استيضاحها فيما يلي: 1- العصر القبطي تحت الحكم البطلمي من 332 ق.م «وهو تاريخ نهاية الأسرة الحادية والثلاثين، وبدء حكم البطالمة في مصر» إلي 30 ق.م.
2- العصر القبطي تحت الحكم الروماني من 30 ق.م. إلي 395م .
3- العصر القبطي تحت الحكم البيزنطي من 395م إلي 641 م تاريخ دخول العرب مصر.
4- العصر القبطي الممتد خلال العصر العربي من 641م حتي الآن حيث امتزج العرب مع أهل البلاد المصريين وصارت وحدة طبيعية بينهم وبين الأقباط الذين نطقوا اللغة العربية منذ عهد عبد الملك بن مروان الذي اهتم بتعريب الدواوين ولسان البلاد إلي اللغة العربية، وأصبح المصريون يتمثلون في عنصرين منذ ذلك الحين، المصري «القبطي المسيحي»، و«المصري القبطي المسلم» وذلك التقسيم للحقبات القبطية، لأنه ليس من الانصاف أن يؤرخ لدولة بتاريخ مستعمريها، فلا يجوز أن نلغي تاريخ مصر وأن نؤرخ لمحتل يوناني أو روماني أو بيزنطي لأن في ذلك إهدار لحقوق الشعوب المستعمرة، وانني أسأل أيهما أكرم للمصريين جميعاً مسلمين ومسيحيين أن نؤرخ للحقبات التاريخية المصرية بتاريخ شعبها، وفنونها، ولغتها، وآدابها، فيقال عنها: التاريخ القبطي تحت الحكم الأجنبي، أم أن يقال التاريخ الاغريقي، والروماني، والبيزنطي، والفارسي وتطمس معالم مصر ونهدر حق المصريين.. أي وطنية هذه وأي انتماء؟ ولماذا كل هذا التحامل علي التاريخ القبطي، والآثار القبطية؟؟
لذلك فإن القول بأنه لا يوجد في تاريخ مصر ما يسمي «الحقبة القبطية» قول مغلوط ليس له أساس تاريخي يرتكز عليه لأن التاريخ المصري كله هو تاريخ قبطي، ليس تاريخاً يونانياً أو رومانياً أو بيزنطياً «لأن قبطي تعني مصري» والآثار القبطية تملأ أرجاء مصر.
أما القول بأن «أغلب الأديرة والكنائس الأثرية الموجودة حالياً يعود إنشاؤها إلي فترة ما بعد دخول الإسلام، وشيدت علي الطراز الإسلامي فحقيقته أن الإسلام حينما جاء إلي مصر وجدها بلداً عريقاً ذا حضارة وبعد أن استقرت له الأمور بها أخذ من فنونها ما يناسبه الأمر الذي يمكن القول عنه إنه الفن المصري الإسلامي، كما حدث في بلاد الرافدين حيث حضارة بابل وأشور فأخذ الإسلام منها ما يناسبه أيضاً لذلك نجد تمايزاً واضحاً بين الفن الإسلامي في مصر، والفن الإسلامي في العراق، وعلي هذا القياس فإن جميع الفنون الإسلامية تختلف بعضها عن البعض باختلاف الحضارات التي أخذت منها، ومن ذلك يتضح أنه لا يوجد ما يسمي بالطراز الإسلامي علي إطلاق الكلمة بل يمكن القول بالطراز الإسلامي المصري والطراز الإسلامي العراقي والطراز الإسلامي السوري.. إلخ لأن الإسلام أخذ هذه الطرزات من حضارات الشعوب التي فتح أرضها فكيف يقال إن أغلب الأديرة والكنائيس الأثرية الموجودة حالياً يعود إنشاؤها إلي فترة مابعد دخول الإسلام، وشيدت علي الطراز الإسلامي «من أخذ من الآخر» وأن كان مصطلح الآثار القبطية غير صحيح بالمرة فبماذا نسمي الكنائس والأديرة القبطية المنتشرة في كل أرجاء مصر، وبماذا نسمي الآثار القبطية التي تملأ المتحف القبطي التي يرجع تاريخها إلي القرون المسيحية الأولي قبل دخول الإسلام إلي مصر؟ وبماذا نسمي الآثار القبطية المنتشرة في معظم متاحف العالم؟
إنني في شدة العجب من القول بأن تأسيس «قسم للآثار القبطية» هو «عمل قسم لاهوتي وهو فكر يتبناه من ينتمون للفكر الغربي أي انتماء هذا الذي يقولون عنه؟! هل القول بإنشاء قسم لدراسة الآثار القبطية يكون انتماء للغرب أم لمصر بتاريخها القوي والمؤثر علي العالم كله؟
أما عن نقص الكوادر والمتخصصين بالعلوم القبطية الذي يري البعض أنه يعد من أكثر المشكلات التي تعوق إنشاء هذا القسم فنحب أن نطمئن إلي أن مصر بخير وهناك كثير من المتخصصين يمكننا أن نذكر العديد منهم إذا جدت الأفعال وإننا نأمل من السيد الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالي أن يساند كلية آثار الفيوم في موافقتها علي إنشاء قسم الآثار القبطية، وأن يبدأ بقبول أعداد محدودة من الدارسين لتكامل سلسلة الدراسات الأثرية في عصور مصر المتتالية.
د. صبحي شنودة