ماتت أمي ..
ماتت فإنهدّ ذلك الركن الذي كنت أستند إليه..
ماتت من كانت تأكل فأشبع..
ماتت من كانت تشرب فأرتوي ..
ماتت من كانت تنام فأستريح ..
ماتت من كانت تحلم فتسبح روحي في إشراق من الغبطة لايُوصف ولا يُحد !..
كان الضياء يشع في نظراتي..والرجاء يشيع في بسماتي ..والرضا يغمر نفسي ..والنعيم يملأ وجداني يوم كانت امي في البيت !..
ماتت امي فصوّحت الواحة..واوحش القفر..وإنطفأ الوميض.. واغطش الليل..وتبدد الحلم.. وتجهّم الواقع وتبدّلت الدنيا غير الدنيا..فإذا النعيمُ شقاء..وإذا الملاءُ خلاء..واذا الاملُ ذكري
ماتت امي!!
والهف نفسي علي امي يوم تسلل اليها الموت فقال الطبيب الغفلان انه البرد..وقال القدر اليقظان انه الموت!!..
والهف نفسي علي امي ساعة حضرها الموت وادركتها شهقة الروح..فصاحت بملء فيها : ياولدي..ياولدي ..اشهد ان لا اله إلا الله وكأنما ظنت أن بإستطاعة ولدها ان يدفع عنها مالا تستطيع ان تدفع عن نفسها ..
ياولدي ..ياولدي ..ماكنت احسب ياامي ان هذا النداء سيبقي له في حياتي صدي بعيد المدي..عميق الأثر
ياولدي ..ياولدي..
والله ياامي لو كنت املك الدنيا كلها..
لو كان لي مافي العالم من رزق ومال لبذلته راضيا إجابةً لكِ في شراء لحظة واحدة ..
إنا لله وإنا اليه راجعون ..
لبيكِ أمّاه ولكني لن اغني عنكِ من الله شيئا..
النبي عليه الصلاة والسلام وولدُه ابراهيم يموت في حجره قال بصوت متهّدِج ..وفؤاد متأجج ..وإستسلام مطمئن : إنّا ياابراهيم لانغني عنك من الله شيئا ..ثم يقول : إن العين لتدمع..وإن القلب ليجزع ..وإنا علي فراقك ياإبراهيم لمحزونون ..أما والله لولا أنه أمرُ حق..ووعدٌ صدق.. وأن آخرنا سيلحق بأولنا ..لحزنتُ عليكَ بأشدِ من هذا !
نعم ياأمي لولا أن الموت أمرٌ حق ..ووعد صدق لحزنتُ عليكِ بأشدِ من هذا ..
رحمكِ الله ُ ياامي ..
فإني من بعدك آنس بكل عجوز ..واسكن الي كل ام..وبعدك مارأيت عجوزا في الطريق تحتاج الي يد تمتد اليها او كتف تستند اليه..إلا كانت تلك اليد يدي..وكان ذلك الكتف كتفي ..
إني لا ابكي عليكِ إنما ابكي علي نفسي
لا ابكي غيابكِ عني
إني ابكي بقائي بدونك .. ....
ولدك ..